SADOUN Admin
عدد المساهمات : 1177 تاريخ التسجيل : 03/04/2009 العمر : 37
| موضوع: الترجمة في الحضارة العربية الإسلامية الثلاثاء 15 سبتمبر 2009 - 19:32 | |
| الترجمة في الحضارة العربية الإسلامية
ليس ثمة شك أن الترجمة من أهم عوامل التلاقح الحضاري بين بني البشر الذين خلقهم الله متنوعي الألسنة والأفكار، والتفاعل الحضاري بين الحضارات المختلفة، كما تزيل الترجمة حواجز الخطأ والوهم التي تمنعها من تبادل الفهم الصحيح والعطاء النافع، ومن ثم جاء كتاب "الترجمة في الحضارة العربية الإسلامية" للأستاذ الدكتور عبد الفتاح مصطفى غنيمة ليتناول قضية الترجمة والاتصال الحضاري بين العرب والشعوب المجاورة لهم، ويبيِّن كيف تفاعلت الحضارة العربية الإسلامية منذ بداية العصر الأموي مع الحضارات الأخرى.. اليونانية والرومانية والفارسية والهندية.. ولقد كانت الترجمة هي أولى مراحل الحركة العلمية الإسلامية، وأنها– أي الترجمة– بداية التأريخ للعلوم في الحضارة العربية، وأنها كانت من أهم الأنشطة العلمية طوال العصر العباسي، لاسيما في عهود أبي جعفر المنصور وهارون الرشيد والمأمون، وظهر في تلك الفترة مترجمون روَّاد حملوا على عاتقهم عبء نقل التراث الإنساني الموجود آنذاك إلى اللغة العربية التي كانت لغة العلم في ذلك العصر، مما حدَا بالعلامة "البيروني" إلى القول: إن الهجاء بالعربية أحب إلىَّ من المدح بالفارسية.
الترجمة والاتصال الحضاري قبل الإسلام: هناك تساؤل يطرح نفسه كثيرًا، وهو هل عرف العرب لغات أجنبية وترجموا بواسطتها بعض الآثار المهمة في العلم والأدب إلى اللغة العربية قبل الإسلام؟ يحاول المؤلف الدكتور عبد الفتاح مصطفى غنيمة الإجابة في إيجاز عن هذا السؤال، فيرى أن الباحثين والكتاب قد اختلفوا حول هذا الأمر، ولكنه يرى أن من الحقائق التي لا ينقصها دعوى مدعٍ من الشرق والغرب أنه لكي تكون الترجمة من لغة إلى لغة ترجمةً صحيحة فإنه لابد أن يكون المترجم متقنًا للغة التي ينقل منها واللغة التي ينقل إليها كلَّ الإتقان، ولابد أن يكون للمترجم أسلوب واضح فيما يكتب؛ ليكون ما يترجمه بيِّنًا لمن يقرؤه. ومن ثم فإن الترجمة أصعب من التأليف؛ لأن المؤلف ينطلق مع ألفاظه وتراكيبه ومعانيه، أما المترجم فهو أسير معاني غيره مقيَّد بها مضطر إلى إيرادها كما هي، على قدر الطاقة، وعلى علاتها إذا لزم الأمر في الترجمة، كما هي الأمانة والواجب.. ويرى المؤلف أنه على الرغم من إجماع المؤرخين على أن الترجمة بدأت أيام خالد بن يزيد إلا أنه يعتقد أن اللغة العربية شهدت ترجمات قبل العصر الأموي ويُدلِّل على ذلك وجود مفردات غير عربية وردت في القرآن الكريم، حيث ذكر السيوطي عدد اللغات المنقولة عنها الألفاظ غير العربية التي وردت في القرآن الكريم إلى إحدى عشرة لغة هي: الحبشية والفارسية والرومية والهندية والسريانية والعبرانية والنبطية والقبطية والتركية والزنجية والبربرية. ويؤكد هذا النقل أن العرب قبل الإسلام لم يكونوا أمة منطوية على نفسها، وإنما كانوا متصلين بغيرهم من الأمم اتصالاً اقتصاديًّا وسياسيًّا.. ويخلص إلى أن عرب الجاهلية عرفوا الكتابة قبل ظهور الإسلام بعدة قرون، وأكد ذلك بما أورده الدكتور ناصر الدين الأسد في كتابه القيم «مصادر الشعر الجاهلي».
تفاعل الحضارة العربية الإسلامية والحضارات الأخرى: تحت هذا العنوان يرى المؤلف أن ازدهار الحضارة العربية الإسلامية كان من أهم عوامله اعتناق شعوب الخلافة الإسلامية الإسلام الذي يشجع العلم وتحول هذه الشعوب إلى الإسلام جعلها تبتعد كثيرًا من عناصر حضارتها السابقة وتقترب من الحضارة الإسلامية مما أدى إلى إبرازها. أيضًا التعريب ويقصد به جعل اللغة العربية اللغة الرسمية في الدواوين ولغة التعامل بين الفاتحين وسكان البلاد المفتوحة من فرس ورومان وغيرهم، وترتب على ذلك إقبال الشعوب المفتوحة على تعلم العربية فأصبحت العربية، كما يسميها ابن خلدون لسانًا حضاريًّا في جميع الأمصار الإسلامية. وعندما تولَّى العباسيون قيادة العالم الإسلامي اعتمدوا على المسلمين من غير العرب فاقتبسوا كثيرًا من تقاليد تلك الشعوب، كما عملوا على استقطاب العلماء وتشجيع العلم فازدهرت الحركة العلمية في القرنين الرابع والخامس الهجريين، مما جعل "آدم متز" المستشرق الألماني يصف القرن الرابع الهجري بعصر النهضة في الإسلام ويجعله عنوانًا لسِفْره القيم الذي نقله إلى العربية الدكتور محمد عبد الهادي أبو ريدة.. ويرى المؤلف أن حركة الترجمة بدأت بالتعرف على ما عند الأمم الأخرى من علوم وبدأت الترجمة بداية منظمة منذ بداية الدولة الأموية؛ فقد عمل الأمير الأموي خالد بن يزيد بن معاوية على نقل بعض الكتب في الطب والكيمياء إلى العربية واتسعت حركة الترجمة في العصر العباسي وشاعت اللغات المختلفة حتى أصبحت الهندية واليونانية والفارسية شائعة عند الطبقة التي تهتم بالعلوم والآداب والفنون، ومما يدل على تفهُّم العرب لحركة الترجمة العظيمة التي كانوا يقومون بها أنهم بدءوا أول ما بدءوا بكتب العلوم العلمية لا بكتب الفلسفة النظرية فبدءوا بنقل الرياضيات والفلك والطب، ولما كثرت لديهم كتب العلوم اتجهوا صوب كتب الفلسفة النظرية؛ ليتمموا أداء رسالتهم الثقافية. وكان تولي الخليفة العباسي المأمون الخلافة بمثابة مرحلة جديدة وفاصلة في علم التاريخ الحضاري؛ حيث اتجه لجمع الكتب من كل مكان وباللغات المختلفة ووضعها تحت يد العلماء والمترجمين في دار الحكمة، وتحقيق ترجمات لمؤلفات عديدة جدًّا ولاسيما مؤلفات الإغريق. وبرز من روَّاد الترجمة حُنين بن إسحاق وأولاده، ويوحنا بن ماسويه، وقسطا بن لوقا البعلبكي، وحبيش بن الحسن الدمشقي، واصطفن بن بسيل. والذي يطَّلع على كتاب الفهرست لابن النديم يجد أسماء عديدة للمترجمين وللكتب المترجمة في شتى أنحاء المعارف الإنسانية من رياضيات، وفلك، وطب، وكيمياء، وفلسفة، وموسيقى، وغيرها. ويرى المؤلف أن التراث الإسلامي كان العامل الرئيس لبدء عصر النهضة الأوربية، وهذا ما اتفق عليه الكثير من مؤرخي العلم، فانتقال التراث الإسلامي- وخاصة العلوم والمعارف- إلى غرب أوربا خلال العصور الوسطى كان العامل الرئيسي لبدء عصر النهضة في أوربا وانتقالها من عصر الظلمات إلى عصر البحث والكشف العلمي.. فقد قام العرب في فترة مدِّهم الحضاري بترجمة واستيعاب تراث الحضارات السابقة لهم، وخاصة الحضارة اليونانية، وقد نُقل هذا التراث إلى أوربا فيما بعد، عندما ترجم من العربية إلى اللاتينية، غير أنهم لم يقتصروا على مجرد النقل والاستيعاب بل أدخلوا الكثير من التعديلات والإضافات والتعليقات على أعمال الأقدمين والتي كان لها أثر كبير على الفكر الأوربي. ومن جهة أخرى كان للعرب إنجازاتهم واكتشافاتهم الأصلية والتي تفوقوا فيها على الأقدمين، وخاصة في الطب والرياضيات والفلك والجغرافيا، ومن جهة ثالثة وربما كانت الأهم هي أن العرب تميزوا بحبهم للمعرفة والعلم واتباعهم المنهج العلمي التجريبي القائم على الملاحظة وإعادة التجريب، وقد نقل الأوربيون كل ذلك عنهم.. فهل يعي خلف هؤلاء السلف المهمة الملقاة على عاتقهم، وهي السير على نهج أسلافهم الذين كانوا أئمة الحضارة الإنسانية وفي مطلع الركب يقودون البشرية إلى شاطئ السلام والعلم والرقي، رجاء أن يتبوءوا مكانتهم في قيادة البشرية، التي أفلت زمامها من أيدينا، ندعو الله أن يبعث للإسلام من يعيد لأمتنا مجدها حتى نعود كما كان أسلافنا؟!
********* | |
|