تقويم نوعية الترجمة: الوصف اللغوي مقارنة بالتقويم الاجتماعي
Translation Quality Assessment: Linguistic Description versus Social Evaluationجولين هاوس
Juliane HouseUniversity of Hamburg, Hamburg, Germany جامعة هامبورغ، هامبورغ،
ألمانيا[/size]ترجمة: أ.د. محيي الدين حميديأستاذ اللغويات النظرية والترجمة، جامعة حلب (سوريا)، وكلية اللغات والترجمة، جامعة الملك سعود (السعودية) توطئة المترجم:إن موضوع تقويم الترجمة موضوع شائك؛ فكلنا ينبري لتقويم الترجمة بإطلاق أحكام تستند، في أغلب الأحيان، إلى خبرته الشخصية ومشاربه النظرية وخلفيته الفكرية. والمراجع والدراسات عن هذا الموضوع قليلة في الحقيقة في اللغة الإنجليزية، ناهيك عن اللغات الأخرى. ويمكن لمقارنة بسيطة بين عدد المنشورات من كتب وبحوث حول مبادئ الترجمة المتنوعة وما نشر عن تقويم الترجمة أن يوضح العجز الهائل في الدراسات والكتب المتعلقة بتقويم الترجمة.
[right][color=#000000]
ونظراً لذلك، رأيت أنه قد يكون من المفيد نقل هذا البحث إلى اللغة العربية؛ إذ إن مراجعنا عن تقويم الترجمة تكاد تكون شبه معدومة. يناقش البحث أهم جوانب عملية تقويم الترجمة اللغوية والاجتماعية؛ كما أنني حافظت على شكل الأصل تماماً إذ أنه بحث علمي يتصف بصفات شكلية محددة من ملخص، ومقدمة ومتن ...الخ، فحافظت على ذلك كي لا يفقد البحث أياً من صفاته الشكلية أو الفكرية. ملخص:Abstract يناقش البحث، بداية، ثلاث مقاربات مختلفة لتقويم الترجمة تنبثق عن مفاهيم مختلفة عن "المعنى" ودوره في الترجمة. وثانياً، نقوم بوصف نموذج وظيفي-ذرائعي لتقويم الترجمة يبرز فرقاً بين أنماط مختلفة من الترجمات والنسخ؛ ويؤكد أهمية استخدام "مصفاة ثقافية" في نمط محدد من الترجمة. وثالثاً، نناقش تأثير الإنجليزية بوصفها لغة عالمية على عمليات الترجمة؛ وأخيراً، نستقدم الفرق الهام بين التحليل اللغوي والحكم الاجتماعي في الترجمة؛ ويتم استخلاص نتائج لممارسة عملية تقويم النوعية في الترجمة. كلمات هامة في البحث: تقويم النوعية، المعنى، نموذج وظيفي-ذرائعي، تأثير الإنجليزية، والتحليل اللغوي. مقدمة: Introduction كيف نعرف متى تكون الترجمة جيدة؟ يقع هذا السؤال البسيط في قلب كل المسائل المتعلقة بنقد الترجمة. ولكن لا يقتصر الأمر على ذلك فحسب، ففي محاولة تقويم نوعية الترجمة يناقش المرء جوهر أي نظرية للترجمة، أعني بذلك السؤال الحاسم المتعلق بطبيعة الترجمة، أو بدقة أكبر، طبيعة العلاقة بين النص المصدر و نصه المترجم. وإذ ما أخذنا في عين الاعتبار أن الترجمة هي أساساً عملية يتم فيها الحفاظ على معنى الوحدات اللغوية متكافئة عبر اللغات، يمكن للمرء أن يميز، على الأقل، بين ثلاث وجهات نظر عن المعنى، كل منها يؤدي إلى مفاهيم مختلفة عن تقويم الترجمة. فحسب وجهة نظر عقلانية عن المعنى بوصفه مفهوماً قابعاً في عقول مستخدمي اللغة، فمن المحتمل أن يُنظر إلى الترجمة على أنها عملية حدسية وتأويلية. وإذ ما اُعتبر المعنى على أنه يتطور في، وينتج عن، ردة فعل خارجية قابلة للملاحظة، فمن المحتمل أن تنطوي عملية تقويم الترجمة على أساليب تعتمد على الاستجابة. وإذا ما نُظر إلى المعنى على أنه ينبثق من قطع نصية أكبر من اللغة في الاستخدام، تنطوي على كل من السياق (الاجتماعي و الثقافي) والسياق المحيط بالوحدات اللغوية منفردة، فمن المحتمل استخدام مقاربة خطابية في تقويم الترجمة.أود في هذا البحث، بداية، التعليق بإيجاز على هذه المقاربات الثلاث في تقويم الترجمة؛ وثانياً، سأعرض وجهة نظري حول الموضوع؛ وثالثاً، والأهم، سأناقش الفرق الباهت غالباً بين الوصف اللغوي والتقويم الاجتماعي. 1. تقويم الترجمة في مدارس فكرية مختلفة Translation Evaluation in Different Schools of Thought وجهات النظر العقلانية.Mentalist Viewsاعتمدَ كتابٌ، وفلاسفةٌ، وآخرون وجهاتَ نظرِ ذاتية وحدسية في تقويم الترجمة منذ أقدم الأزمان تتألف في أغلب الأحيان من أحكام عامة مثل "تنصف الترجمةُ الأصلَ" أو "أنَّ لحنَ الأصل قد ضاع في الترجمة" وهلم جراً. وفي قناع أحدث، تم الترويج لمثل هذه التقويمات الحدسية من قبل مفكري الترجمة التأويليين الجدد الذين يعتبرون الترجمة حدثاً إبداعياً منفرداً يعتمد حصراً على تأويل ذاتي، وقرارات نقل، وحدس أدبي_فني، ومهارات ومعرفة تأويلية. إذ لا يوجد في النصوص معانٍ جوهرية البتة؛ بل إن معانيها تتبدل اعتماداً على مواقف المتكلمين الفردية. لن أطور هنا موقفي من الموقف التأويلي ( ولكن راجع النقاش الحديث الجلي لبوهلر Bühler)، ولكن يفي بالغرض القول هنا أن مثل هذا الموقف النسبي، خاصة نسبية "المحتوى" و "المعنى" غير مناسب على وجه الخصوص لعملية التقويم المعتمدة على حجج مقنعة حول متى، وكيف، ولماذا تكون الترجمة جيدة.مناهج تعتمد على الاستجابة Response_based Approaches وجهات النظر السلوكيةBehavioristic Viewsمقارنة بوجهات النظر الذاتية-الحدسية في تقويم الترجمة، تهدف وجهة النظر السلوكية إلى طريقة أكثر "علمية" في تقويم الترجمات نافية أن تكون عمليات المترجم العقلية منتمية إلى "صندوق أسود" مجهول. أشد ما يرتبط بهذا التراث، المتأثر بالبنيوية والسلوكية الأمريكيتين، عمل نايداNida الرائد (1964). أخذ نايدا استجابات القراء للترجمة على أنها المقياس الرئيسي لتقويم نوعية الترجمة واضعاً مبادئ سلوكية عامة، مثل الفهم، و الإخبارية، بما في ذلك القول إن ترجمة "جيدة" هي تلك التي تؤدي إلى "تكافؤ الاستجابة"_ وذلك مفهوم يتصل بوضوح بمبدئه المعروف بـ "التكافؤ الدينامي في الترجمة"، أي: إن الطريقة التي يستجيب بها متلقو الترجمة يجب أن تكون "مكافئة" للطريقة التي استجاب بها متلقو النص الأصل للأصل. فعَّلَ نايدا هذا التكافؤ على أنه يتألف من "فهم" و "إخبارية" متعادلين. وإذا ما افترضنا أنه من الصواب القول إن الترجمة "الجيدة" يجب أن تثير استجابة مكافئة للاستجابة لأصلها، علينا مباشرة أن نسأل إن كان بالإمكان قياس "استجابة مكافئة" ناهيك عن " الإخبارية" أو "الفهم". وإن لم يكن بالإمكان قياس هذه الظواهر، فمن العبث وضعها كمبادئ لتقويم الترجمة. وفي الحقيقة، إن أكثر الاختبارات خيالية المصممة لتأسيس استجابات ملحوظة يمكن التثبت من صحتها يُتصور أنه من المحتمل للترجمة أن تثيرها، على سبيل المثال، أساليب القراءة بصوت عالٍ، وإجراءات الترتيب الدقيقة المتنوعة، قد أخفقت في نهاية المطاف في توفير النتائج المرجوة لأنها لم تكن قادرة على تصوير ظاهرة غاية في التعقيد مثل ظاهرة "تقويم الترجمة". وعلاوة على ذلك، غالباً ما تم تجاهل النص المصدر في كل هذه الأساليب، ما يعني أنه لا يمكن قول أي شيء عن العلاقة بين الأصل وترجمته، ولا إن كانت الترجمة هي في الحقيقة ترجمة، وليست نصاً ثانوياً آخر اشتُق بطريقة نصية مختلفة.المنهج الوظيفي المتعلق بأهداف الترجمة Functionalistic,"Skopos"_Related Approachيدعى مناصرو هذا المنهج (قارن: ريسReiss و فيرمر Vermer 1984) أن "أهداف" الترجمة هي التي لها اليد الطولى في الحكم على نوعية الترجمة. وإن الطريقة التي تم بها احترام أو انتهاك معايير الثقافة الهدف من قبل الترجمة هي المعيار الحاسم في تقويم الترجمة. إن المترجم أو في أغلب الأحيان أهداف الترجمة التي يزوده بها ممولو الترجمة هي التي تقرر وظيفة الترجمة التي ستحققها في بيئتها الجديدة. ولم يوضح مفهوم "الوظيفة"، الحاسم في هذه النظرية جلياً، على أية حال، ناهيك عن تفعيله بأي طريقة مرضية. يبدو أنه شيء قريب جداً من التأثير الحقيقي للنص في عالم الواقع. أما كيف يمكن بالضبط للمرء البدء بتقرير التكافؤ و الملائمة (النسبيان) للترجمة، ناهيك عن كيفية البدء بتقرير التحقيق اللغوي لـ"أهداف" الترجمة، فذلك أمر غير واضح. والأهم من ذلك، على أية حال، يتبع طبيعياً عن الدور الحاسم الذي أنيط بـ"هدف" الترجمة أن الأصل قُلص إلى مجرد"عرض للمعلومات" حيث توضح كلمة "عرض" مباشرة أن هذه "المعلومات" يمكن بسهولة قبولها أو رفضها وفقاً لما يرتئيه المترجم. ولكن بما أن أي ترجمة مقيدة بنص أصلها في الوقت ذاته وبالتصورات المسبقة والشروط التي تحكم تلقيها في البيئة الجديدة، لا يمكن القول إن نظرية أهداف الترجمة نظرية مناسبة عندما يتعلق الأمر بمعالجة تقويم الترجمة في ثنائية اتجاهها الأساسي. المناهج المعتمدة على النص والخطابText and Discourse Based Approachesالمناهج أدبية التوجه: دراسات الترجمة الوصفيةLiterature oriented Approaches: Descriptive Translation Studiesيتوجه هذا المنهج بشكل أساسي نحو نص الترجمة: تُقوَم الترجمة أساساً وفق مقتضيات أشكالها ووظائفها داخل نظام الثقافة والأدب المتلقين ( قارن توريToury 1995). ويحتل الأصل مكانة تابعة، إذ يصبح التركيز الأساسي _بالعودة من الترجمة إلى الأصل_ على "ترجمات حقيقية"، والظواهر النصية التي أصبحت ما يعرف في الثقافة الهدف بالترجمات.والفكرة هي، قبل أي شيء، محاولة الوصف "حيادياً" سمات ذلك النص كما يتم استيعابها على أساس معرفة أعضاء أصليين في الثقافة المتلقية لنصوص مماثلة من النوع الأدبي/الكلامي نفسه. على أية حال، إذا ما كان المرء يهدف إلى الحكم على نص محدد الذي هو بوضوح ليس نتاجاً "مستقلا" وجديداً" خاصاً بثقافة بعينها فقط، فإن مثل ذلك التركيز المعتمد على الرجوع إلى الماضي سيبدو غير مناسب بشكل خاص للإدلاء بأحكام شرعية حيال لماذا و كيف تبدو ترجمة بوصفها ترجمة هي ما هي عليه. وفي حين أنَّ العمل التجريبي ـالوصفي والتوكيد الذي وضع على المستوى الأصغر للسياق المتلقي و المستوى الأكبر للثقافة المتلقية بشكل أكبر، إضافة إلى تضمين كل من وجهة النظر "الطولانية" (الزمنية، التاريخية) و "التزامنية" المنتظمة (بمناقشة العلاقات متعددة الدلالات التي تدخل الترجمة فيها مع النصوص الأخرى في النظام الثقافي المتلقي)، أمرٌ مهم بالتأكيد، إلا أن المنهج يفشل في توفير مبادئ للحكم على مزايا ونقاط ضعف "حالة" بعينها. وبعبارة أخرى، كيف يمكننا الحكم إنْ كان النص ترجمةً، وأن نصاً آخر ليس بترجمة؟ وما هي المبادئ للحكم على مزايا "نص ترجمة" محدد ونقاط ضعفه"؟ التفكير التفكيكي وما بعد الحداثة Post_modernist and Deconstructionist Thinkingيحاول المفكرون المنتمون لهذا المنهج (قارن على سبيل المثال: فينوتي Venuti 1995) أن يتفحصوا بدقة ممارسات الترجمة من موقف نفسي-فلسفي و اجتماعي-سياسي في محاولة لإماطة اللثام عن علاقات قوة غير متكافئة، التي قد تبدو اعوجاجاً مؤكداً في الترجمة. وفي نداء لجعل الترجمات ( وخاصة المترجمين بوصفهم مؤلفيها) "مرئية"، وللكشف عن التلاعب الأيديولوجي والمؤسساتي، يهدف مناصرو هذا المنهج للإدلاء بمقولات ثاقبة سياسياً ( و صحيحة) حول العلاقة بين سمات النص الأصل ونص الترجمة. إنهم يركزون على القوى الخفية التي تقولب كلاً من عملية انتقاء ما تتم ترجمته في المقام الأول و الإجراءات التي ينتج عنها أساليب ليي وحرف النصوص لصالح أفراد مهمين وقوى مهيمنة "التي تتحكم بالأمر بخفاء" أثناء اختيار النصوص للترجمة، وتبني استراتيجيات محددة لإعادة التسويق. إن ذلك مهمة تستحق العناء بالتأكيد، خاصة عندما يتعلق الأمر بتوضيح التأثير الذي يمكن للمترجمين من أن يحدثوه عبر ترجماتهم على الأدب القومي المتلقي ومرتكزاته الأساسية. وعلاوة على ذلك، إن تطبيق خيوط التفكير الجارية المؤثرة مثل نظرية ما بعد الحداثة ( روبنسنRobinson 1997) أو النظرية الأنثوية (فون فلوتوvon Flotow 1997) على الترجمة قد لا يكون ليس ممتعاً ومثيراً بحد ذاته. على أية حال، إن كانت التحليلات المقارنة للأصل والترجمة تركز أساساً على التحويلات والاعوجاج النابع عن تلاعبات أساسها أيديولوجي، وإذا ما أعطي جدول أعمال يركز على الوسائل النظرية، والهامة والنصية التي من خلالها يمكن دراسة الترجمات على أنها مواقع "للفرق" أسبقية، يتساءل المرء كيف بوسعه أبداً التفريق بين ترجمة وأي نص آخر قد ينتج عن عملية نصية لا يمكنها أبداً الادعاء بأنها في علاقة ترجمة مع النص الأصلي. مناهج لغوية التوجهLinguistically oriented Approachesيضم العمل اللغوي الرائد في تقويم الترجمة الاقتراحات المبرمجة لكاتفورد Catford (1965)، وريس Reiss المبكر (1971)،و ويلس Wilss (1974) وكولر Koller (1979)، ومفكري الترجمة في مدرسة لايبزغ. على أية حال، لم يعرض في هذا العمل المبكر أية إجراءات محددة لتقويم نوعية الترجمة. ولكن في الأزمنة الأحدث، قدمت عدة أعمال لغوية التوجه عن الترجمة على سبيل المثال، بيكرBaker (1992)، و دوهرتيDoherty (1993)، وحاتمHatim وميسنMason (1997)، وهيكي Hickey(1998)، و غيرزميش-اربوغاستGerzymisch_Arbogast و مدرزباخ Mudersbach(1998)، وشتينرSteiner (1998) إسهامات قيمة حول تقويم الترجمة من خلال حقيقة أن كل هؤلاء المؤلفين_مع أنهم ليسوا مهتمين مباشرة بتقويم نوعية الترجمة_ قد وسعوا مجال دراسات الترجمة لتضم اهتمامات باللغويات، والذرائعية، واللغويات الاجتماعية، والأسلوبية، وتحليل الخطاب.تهتم المناهج اللغوية بالعلاقة بين المصدر والنص المترجم اهتماماً بالغاً، ولكنها تختلف في مقدرتها على توفير إجراءات مفصلة للتحليل والتقويم. والأكثر وعداً المناهجُ التي تأخذ في الحسبان بجلاء نقاط الاتصال البينية بين السياق والنص لأن الربط المحكم بين اللغة والعالم الحقيقي هو مقرر في صياغة المعنى والترجمة أيضاً. إن مثل وجهة النظر هذه عن الترجمة بوصفها إعادة تسويق هي ما تبنيته نفسي في نموذج وظيفي_ذرائعي تقويمي طورته بداية منذ خمسة وعشرين عاماً ونقحته مؤخراً (هاوس 1981و 1997). 2. نموذج وظيفي_ذرائعي لتقويم الترجمة A Functional-Pragmatic Model of Translation Evaluationإطار تحليلي لتحليل ومقارنة النص الأصل بنص ترجمتهAn Analytic Framework for Analyzing and Comparing Original and Translation Textsيعتمد نموذج التقويم (هاوس 1997) على النظرية الوظيفية النظامية عند هاليديHalliday ، ولكنه يعتمد أيضا انتقائياً على أفكار مدرسة براغ، ونظرية الأحداث الكلامية، والذرائعية، وتحليل الخطاب والفروق المعتمدة على دراسة المتون اللغوية بين اللغة المكتوبة والمحكية. إنه يوفر إطاراً لتحليل أصل ومقارنته بترجمته على ثلاثة مستويات مختلفة: مستويات اللغة/النص، و نوعية اللغة (مجال الحديث، وشكل الحديث، والطريقة)، والنوع الكلامي. وأحد المفاهيم الأساسية القابعة تحت هذا النموذج هو" تكافؤ الترجمة"_وذلك مفهوم ينعكس بوضوح في الفهم اليومي العادي عن الترجمة، أي: أن يعتقد شخص "عادي"، غير مدرب في أن الترجمة هي نص، أي شكل من أشكال"التمثيل" أو "إعادة الإنتاج" لنص آخر أُصدر أصلاً في لغة أخرى، حيث تعني "إعادة الإنتاج" قيمة مشابهة، أي: مكافئة. (وهذه نتيجة دراسة مقابلة غير رسمية أجريتها مع ثلاثين متحدث ألماني أصلي من الهيئة التدريسية المساعدة إضافة لطلبة من الطب والاقتصاد في جامعة هامبورغ). فعلاوة على دوره كمفهوم مؤسس للترجمة، يشكل "التكافؤ" مبدأ أساسياً في تقويم نوعية الترجمة. وفي محاولة لصياغة "دور للغويات في نظرية الترجمة" يعبر آفير Ivir عن النسبية الموروثة لعلاقة التكافؤ بوضوح: "التكافؤ...نسبي وليس مطلقاً،...إنه ينبثق عن سياق الحال كما يُعرف باللعب المتبادل بين (عدة عوامل متعددة)، وليس له وجود خارج السياق، وخاصة أنه لا يُشترط وجوده مسبقاً بخوارزمية لتحويل الوحدات اللغوية في اللغة الأصل إلى وحدات لغوية في اللغة الهدف (1996: 155).من الواضح أنه لا يمكن ربط التكافؤ بتشابهات شكلية، وتركيبية، ومعجمية فقط لأن أي مفردتين لغويتين في لغتين مختلفتين غامضتان بشكل مضاعف، ولأن اللغات تقسم الواقع بطرق مختلفة. وعلاوة على ذلك، إن استخدام اللغة غير مباشر بشكل كبير ويتطلب بالضرورة استنتاجاً بدرجات مختلفة. وهذا هو السبب لماذا يشكل التكافؤ الوظيفي الذرائعي_ وهو مفهوم تم قبوله منذ أمد بعيد في اللغويات المقارنة_نوعَ التكافؤ الأنسب لوصف العلاقة بين الأصل وترجمته. وإنه هذا النوع من التكافؤ الذي استخدم في النموذج الوظيفي الذرائعي المقترح في هاوس (1997)، حيث يتعلق بالحفاظ على "المعنى" عبر لغتين وثقافتين مختلفتين. هناك ثلاثة جوانب على قدر من الأهمية في ذلك المعنى بالنسبة للترجمة: الجانب الدلالي، والذرائعي، والنصي، ويُنظر إلى الترجمة على أنها إعادة تسويق نص من اللغة الأصل بنص مكافئ دلالياً، وذرائعياً في اللغة الهدف. وكمتطلب أول لهذا التكافؤ، اشتُرط أن يكون لنص الترجمة وظيفة مكافئة لوظيفة أصله في لغة الأصل الذي_ يتكون من مكون وظيفي فكري وتبادلي_ عُرّف ذرائعياً على أنه التطبيق أو الاستخدام للنص في سياق حال محدد؛ والفكرة الأساسية هي أن "النص" و "سياق الحال" لا ينبغي النظر إليهما على أنهما كينونتان منفصلتان، بل إن سياق الحال الذي يتكشف فيه النص هو محفوظ في النص عبر علاقة منتظمة بين البيئة الاجتماعية من ناحية والتنظيم الوظيفي للغة من الناحية الأخرى. ولذلك ينبغي على النص أن يشير إلى السياق الخاص الذي يطوره؛ ومن أجل ذلك، ينبغي إيجاد طريقة لتفكيك المفهوم الواسع "سياق الحال" إلى أجزاء يمكن التعامل معها بشكل أسهل، أي: سمات محددة من سياق الحال أو " أبعاد سياقية": على سبيل المثال، "المجال"و "الشكل"و "الطريقة".يصور المجال النشاط الاجتماعي، أي الموضوع بما في ذلك فروق درجة العمومية، والخصوصية، أو "الحبحبة" في المفردات المعجمية وفقاً لإرشادات الخاص، العام، أو الشائع. في حين تشير الطريقة إلى طبيعة المساهمين، المخاطبُ والمخاطبين، والعلاقة بينهم وفق شروط القوة و المسافة الاجتماعيتين، إضافة إلى درجة الشحنة العاطفية. وتضم الطريقة أيضا أصل المصدر الزماني، والجغرافي والاجتماعي إضافة لموقفه الفكري، والعاطفي أو الوجداني ( "وجهة نظره الشخصية")، أي: المحتوى الذي يصوره. وعلاوة على ذلك، تصور الطريقة "الموقف الاجتماعي"، أي: أساليب مختلفة (رسمي، واستشاري و غير رسمي). ويشير الشكل إلى القناتين_المحكية أو المكتوبة ( التي يمكن أن تكون "بسيطة" أي:" مكتوبة كي تقرأ" أو "مركبة "، على سبيل المثال، مكتوبة كي يتم تكلمها وكأنها لم يكتب")، وإلى الدرجة التي يسمح فيها لمشاركة محتملة أو فعلية بين الكاتب والقارئ. يمكن للمساهمة أن تكون "بسيطة"، أي: مناجاة نفس بدون مساهمة مخاطب مبنية في النص، أو "مركبة" بمخاطبين متنوعين_ بما ينطوي عليه الأمر من آليات لغوية تسم النص. وفي أخذ الفروق (الممكن توثيقها لغوياً) في النصوص بين الوسيلة المكتوبة والمحكية، تتم الإشارة إلى الأبعاد المؤسسة تجريبياً (المعتمدة على المتون اللغوية) الشفوية_الأدبية التي افترضها بايبر Biber (1988). يقترح بايبر أبعاداً يمكن من خلالها للخيارات اللغوية أن تعكس الوسيلة، أي: إنتاج نص عن طريق توفير المعلومات مقابل الانخراط في إنتاج النص، و الإشارة العلنية القائمة بذاتها مقابل الإشارة المعتمدة على السياق، والتمثيل المجرد للمعلومة مقابل التمثيل غير المجرد.إن نمط التحليل النصي-اللغوي الذي تُكتشف به السمات اللغوية في الأصل والترجمة المتعلقة بفئات المجال، والطريقة، والشكل لا تؤدي مباشرة، على أية حال، إلى حكم على الوظيفة النصية المنفردة. بل إن مفهوم "النوع الكلامي" يُدمج في المخطط التحليلي "بين" فئات نوعية اللغة: المجال، والطريقة، والشكل، والوظيفة النصية. وهكذا يمكّن النوع الكلامي المرءَ من إحالة أي ممثل نصي بمفرده إلى صنف النصوص التي يتقاسم معها غرضاً مشتركاً. إن فئة النوع الكلامي مفيدة لعملية التحليل والتقويم، مع أن وصف نوعية اللغة (المجال، والطريقة، و الشكل) مفيدة للوصول إلى العلاقة بين النص والسياق، إلا إنها محدودة أساسا في قدرتها على تصوير السمات المنفردة على السطح اللغوي. ولكي نشخص سمات نصية وبنيوية "أعمق"، يحتاج الأمر إلى نوع مختلف من التصوير الفكري. نحاول ذلك باستخدام "النوع الكلامي". وفي حين تلتقط سمات نوعية اللغة نقاط الوصل بين النصوص و " سياقها الأصغر"، يقوم النوع الكلامي بربط النصوص بـ" السياق الأكبر" في التجمع اللغوي والثقافي الذي تندس فيه. إن كلاً من سمات نوعية اللغة و النوع الكلامي هي أنظمة سيميائية تتحقق لغوياً بشكل أن العلاقة بين النوع الكلامي، ونوعية اللغة، واللغة/النص هي علاقة بين مستويات سيميائية يتعلق الواحد بالآخر في نمط "المحتوى_التعبير" عند هيلمسليفHjelmsleve، أي إن النوع الكلامي هو مستوى المحتوى لسمات نوعية اللغة، ومستوى سمات نوعية اللغة هو مستوى التعبير للنوع الكلامي. وبدوره، مستوى نوعية اللغة هو مستوى المحتوى للغة، حيث تُعتبر اللغة مستوى التعبير عن سمات نوعية اللغة. يوضح الشكل (1) النموذج التحليلي: الوظيفة النصية الفردية نوعية اللغة النوع الكلامي المجال، الطريقة الشكل مادة الموضوع الوسيلة علاقة المساهم والفعل الاجتماعي مكانة/أصل المؤلف بسيطة/مركبة وموقف المساهمة علاقة الدور الاجتماعي بسيطة/ مركبة والموقف الاجتماعي اللغة/النص الشكل (1) مخطط لتحليل ومقارنة النص الأصل بترجمته وإذا ما أُخذ برمته، يسفر عن التحليل ملفٌ يشخص الوظيفة النصية لكل نص بمفرده. أما كيفية الحصول على هذه الوظيفة النصية أو إن كان ممكناً تحقيقها فيعتمد ذلك في حقيقة الأمر على نمط الترجمة المطلوبة للأصل. إنني أفرق في هذا المقام بين نمطين: الترجمة الصريحة والترجمة المعماة، اللتين سأصفهما بإيجاز في القسم التالي. نمطان من الترجمة: الترجمة الصريحة والمعماةTwo Types of Translation: Overt and Covert Translationيعود الفرق بين "الترجمة الصريحة" و "الترجمة المعماة" على الأقل إلى فرق سكليرماكرSchleiermacher المشهور بين " "verfremdende و "einbürgernde" übersetzungen الذي كان له مقلدون كثر باستخدام مصطلحات مختلفة. إن ما يميز الفرق بين الترجمة الصريحة والمعماة عن فروق ومفاهيم مشابهة أخرى حقيقة أنه مندمج في نظرية متماسكة عن نقد الترجمة يتم بداخلها بشكل مستمر وصف وشرح أصل هذين النوعين من الترجمة ووظيفتهما. تنطوي الترجمة على نقل نص عبر الزمان والمكان، وكلما تحركت النصوص، فإنها تحول أيضا أطر الخطاب وعوالمه. و"الإطار" مفهوم نفسي وهكذا فهو، بمعنى من المعاني، المدلاة النفسية إلى مفهوم السياق المتصور أنه أكثر "اجتماعياً"، بحيث يرسم حدود مجموعة من الرسائل أو الأفعال ذات دلالة. غالباً ما يفعل الإطار فعله بشكل غير واع بوصفه مبدأً تفسيرياً، أي: إن أي رسالة تعرف إطاراً تزود المتلقي بإرشادات في تأويله للرسالة التي يتضمنها الإطار. وبشكل مشابه، فإن فكرة "عالم الخطاب" تشير إلى بنية شاملة لتفسير المعنى بطريقة محددة تماماً مثلما يتطلب حدث تعبيري قيمة تحقيقيه بالرجوع إلى عالم خطاب مُحدث.وبتطبيق مفهومي الإطار و عالم الخطاب على الترجمة الصريحة والمعماة، يمكننا القول إن نصاً مترجماً بشكل صريح هو متضمن بحدث كلامي جديد الذي يمنحه أيضاً إطاراً جديداً. إن ترجمة صريحة هي حالة من "ذكر لغوي" (مقارنة بـ "استخدام لغوي"). وبربط مفهوم "الترجمة الصريحة" بالنموذج التحليلي ذي المستويات الأربعة (الوظيفة_النوع الكلامي_نوعية اللغة_اللغة/النص)، يمكننا القول إن أصلاً وترجمته الصريحة سيكونان متكافئين في مستويات اللغة/النص، وسمات نوعية اللغة إضافة للنوع الكلامي. وفي مستوى الوظيفة النصية المنفردة سيكون التكافؤ الوظيفي، مع أنه مازال ممكناً، من طبيعة مختلفة: يمكن وصفه على أنه معبر مساعد للوصول إلى وظيفة الأصل في عالم نصه أو إطاره. وبما أنه ينبغي تحقيق هذا المعبر في لغة مختلفة ويحدث في التجمع السكاني اللغوي والثقافي الهدف، يصبح لا مفر من تحويل في علم النص والإطار، أعني: تُؤطرُ الترجمة بشكل مختلف، وتعمل ضمن إطارها وعالم خطابها الخاص بها، وبالتالي تصل إلى أفضل تكافؤ وظيفي من المستوى الثاني. وبما أن هذا النوع من التكافؤ يُنجز، على أية حال، بتكافؤ على مستوى اللغة/النص، وسمات نوعية اللغة، والنوع الكلامي، فإن إطار الأصل وعالم خطابه يتم تفعيلهما بشكل أشبه ما يكون فيه أعضاء ثقافة الهدف وكأنهم يسترقون السمع، أعني، يتم تمكينهم من تقدير الوظيفة النصية للأصل ولو أن ذلك من بعد.يكون عمل المترجم هاماً ومرئياً في الترجمة الصريحة. وبما أن مهمة المترجم منح أعضاء ثقافة الهدف معبراً للنص الأصل وتأثيره الثقافي على أعضاء الثقافة الهدف، فإن المترجم يضع أعضاء الثقافة الهدف في موقع ليراقبوا و/أو يحكموا على النص "من الخارج".أما في الترجمة المعماة، التي هي حالة من "الاستخدام اللغوي"، فينبغي على المترجم أن يحاول إعادة خلق حدث كلامي مكافئ. وبالنتيجة، فإن وظيفة الترجمة المعماة إعادةُ في النص الهدف الوظيفة التي كانت للأصل في إطاره وعالم خطابه. ولذلك، تعمل الترجمة المعماة "بجلاء" تماماً في الإطار و عالم الخطاب اللذين توفرهما الثقافة الهدف، بدون القيام بأية محاولة لتفعيل بشكل متزامن عالم الخطاب الذي يتم فيه الكشف عن الأصل. وهكذا، فإن الترجمة المعماة هي، في ذات الوقت، أقل تعقيداً نفسياً وأكثر خداعاً من الترجمة الصريحة. وبما أن الهدف هو التكافؤ الوظيفي الصحيح، يمكن التلاعب بالأصل في مستويات اللغة/النص، وسمات نوعية اللغة باستخدام "مصفاة ثقافية". قد تكون النتيجة مسافة بعيدة حقاً عن الأصل. وهكذا، فبينما لا يحتاج الأصل وترجمته المعماة لأن يكونا متكافئين في مستويي اللغة/النص و سمات نوعية اللغة، ينبغي عليهما أن يكونا متكافئين في مستويي النوع الكلامي و الوظيفة النصية الفردية. يمكن رسم الفرق النظري بين الترجمة الصريحة والمعماة تخطيطياً على النحو التالي: الشكل 2 بُعد الترجمة الصريحة_المعماةالمستوى هل التكافؤ الصارم هو هدف الترجمة ترجمة صريحة ترجمة معماةوظيفة المستوى الأساسي لا نعموظيفة المستوى الثانوي نعم لا ينطبق النوع الكلامي نعم نعم نوعية اللغة نعم لا اللغة/النص نعم لا وهكذا يصبح ضرورياً في تقويم الترجمة أخذ الفروق الأساسية بين الترجمة الصريحة والمعماة. إن هذين النوعيين من الترجمة يتطلبان مطالب مختلفة نوعياً في نقد الترجمة. إن الصعوبة في تقويم الترجمة الصريحة غالباً ما يتم تقليصها بشكل يتم فيه حذف الاعتبارات المتعلقة بالمصفاة الثقافية. الترجمات الصريحة "أكثر صراحة" إذ إنه بالإمكان "أخذ الأصل دون تصفية". وفي تقويم الترجمات المعماة، ينبغي على مقوم الترجمة أن يراعي تطبيق "المصفاة الثقافية" كي يكون بمقدوره التفريق بين ترجمة معماة ونسخة معماة. مفهوم المصفاة الثقافية ووظيفتهاThe Concept and Function of a Cultural Filter إنَّ مفهوم "المصفاة الثقافية" وسيلةٌ لتصوير الفروق الاجتماعية_الثقافية في الأعراف المشتركة للسلوك والتواصل، إنها أساليب بلاغية مفضلة ومعايير توقعات في التجمعين السكنيين. ينبغي عدم ترك هذه الفروق للحدس الشخصي، بل ينبغي تأسيسها اعتماداً على بحث تجريبي عبر الثقافات. وإذا ما أخذنا هدف تحقيق التكافؤ الوظيفي في الترجمة المعماة في عين الاعتبار، ينبغي فحص التصورات القابعة خلف الفرق الثقافي بدقة قبل الشروع في تدخلات في بنية معنى الأصل. التصور غير الموسوم هو الانسجام الثقافي إلا إذا كان هناك دليل للعكس. لنأخذ مثالاً، ففي حالة التجمعات الثقافية واللغوية الألمانية والناطقة بالإنجليزية تم إعطاء مفهوم المصفاة الثقافية بعداً ملموساً من خلال عدد من التحليلات الذرائعية_التقابلية التجريبية إذ تم تصور وجود أفضليات تواصلية ألمانية وإنجليزية على أساس مجموعة من الأبعاد المفترضة. ويشير الدليل الذي تم الحصول عليه من عدد من الدراسات عبر الثقافتين الإنجليزية-الألمانية التي أجريت بمادة بحثية، وأشخاص ومنهجيات مختلفة أن هناك أفضليات ألمانية لأساليب بلاغية وتقاليد سلوك تواصلي تختلف عن تلك في الإنجليزية وفقاً لمجموعة من الأبعاد منها درجة المباشرة، والمحتوى_التركيز، والوضوح، والاعتماد على الروتين (قارن: هاوس 1996،و 1998).وإذا ما أخذنا الفرق بين الترجمة الصريحة والمعماة في عين الاعتبار، فمن الواضح أن النقل الثقافي ممكن فقط في حالة الترجمة الصريحة، حيث تُنقل المفردات الثقافية من اللغة الأولى إلى اللغة الثانية متصرفة وكأنها نوع من "Verfremdung". وفي الترجمة المعماة، على أية حال، لا يوجد هناك نقل ثقافي، ولكن مجرد شكل من "التعويض الثقافي" للظواهر الثقافية في اللغة الأولى في اللغة الثانية بواسطة اللغة الثانية.وفي الحديث عن "المصفاة الثقافية"، علينا معرفة، بالطبع، ما نعني بـ"ثقافة". وإذا ما أخذنا في عين الاعتبار نقد ما بعد الحداثة واسع الانتشار للثقافة على أنها تصوير مثالي لا يمكن تحقيقه، وهي شيء ينتمي بشكل قديم للدولة الأمة التي كانت سمة القرن التاسع عشر، فهل مازال ممكناً اليوم الحديث عن "ثقافة" مجموعة لغوية؟ ألم يُحدث توسيع الثقافة ليشمل المجتمعات الحديثة المركبة تعقيداً ومشاكل للـ"ثقافة" ما يجعلها عديمة الفائدة بوصفها كينونة منهجية وفكرية. ولذلك ألا ينبغي تبني حجة هاليدي (1999) الذي يقترح فيها استبدال كلمة "ثقافة" بـ"ثقافات صغيرة"، أو " ثقافات غير مهيمنة"، أو"غير محسوسة"؟ من الواضح أنه لا يوجد شيء مثل مجموعة اجتماعية مستقرة لم تمسها بعد التأثيرات الخارجية، أو الخصوصيات الفردية أو الجمعية، ومن الواضح أنه من الخطأ تصور وجود ثقافة موحدة أحادية يتم فيها تصوير كل الاختلافات إلى درجة الكمال ومن ثم تشطب. ومع ذلك، فإن النسبية الحديثة لم تصل بعد عملياً إلى نتيجتها المنطقية: إبادة البحث المتعلق بالثقافة، ولا منعت الباحثين من وصف الثقافات بوصفها أدوات تفسيرية لفهم السلوك المنبثق. وأكثر من ذلك، لا يمكننا تجاهل التجارب التي يرويها أعضاء عاديون في تجمع كلامي، عندما يتصورون أن أعضاءً من مجموعة ثقافية أخرى يتصرفون "بشكل مختلف" في أحداث سياقية محددة.التفريق بين أنماط مختلفة من الترجمات والنسخDistinguishing Between Different Types of translation and Versionsعلاوة على التفريق بين الترجمة المعماة والصريحة في نقد الترجمة، من الضروري القيام بتفريق نظري آخر: بين الترجمة والنسخة. وهذا التفريق مهم في ضوء المحاولات الحديثة واسعة الانتشار لاعتبار، بدون تمييز، "النسخ" غير المتكافئة قصداً على أنها ترجمات _حتى ولو كان للنص الجديد وظيفة تختلف عن وظيفة الأصل. ينتج إنتاج نسخة عن الانحراف قصداً عن الأصل، وإعادة تقويمه وغالباً نبذه. والنسخ "محررة" لأن تصبح أصولاً بذاتها، وخاصة في سياقات حيث مقاصد الزبائن ومواصفات الإنتاج هي الأساس، أعني: في الممارسات المهنية ، معظمها نشاطات ترجمة تقنية، حيث الاعتبارات المتعلقة بالتكافؤ لن تحول دون تحقيق رغبات الزبائن وخدمة المستهلك. ومع أن الترجمات المحولة المكافئة وظيفياً قد تبدو من المؤكد أنها إبداعات جديدة، إلا أنه مازال صحيحاً القول إنها ما كانت لتوجد في المقام الأول بدون نص أصل. ومن المهم تأكيد أنه على الرغم من الطريقة الشجاعة التي قد تعامل فيها المترجم مع التناظرات اللغوية على مستوى الكلمة، ومستويي المجموعة والجملة (أعني: دون مستويي النص والخطاب)، في الترجمة المعماة، ينبغي النظر إلى أفعاله على أنها خاضعة لإنتاج تناظرات، كل منها بطرقه المختلفة، تساهم في التكافؤ الوظيفي الشامل للترجمة برمتها مقارنة بأصلها. وهذا ما يجعل الترجمة ترجمة. إنه فقط عندما يتم فرض أغراض جديدة على الترجمة ينتج إنتاج جديد، أعني نسخة.نحصل على النسخ الصريحة في حالتين، أولاً: عندما تضاف وظيفة خاصة علناً إلى نص الترجمة؛ على سبيل المثال، للوصول إلى جمهور محدد، كما في الطبعات الخاصة بالأطفال أو متعلمي اللغات الثانية وبنتيجة حذف، وإضافات، وتبسيط أو تركيز على جوانب محددة من الأصل، أو الترويج لأعمال خاصة مصممة للقارئ العام؛ وثانياً، عندما تعطى الترجمة غرضاً محدداً مضافاً. وأمثلة عن ذلك، النسخ، والسير الذاتية، وملخصات البحوث المكتوبة بأكثر من لغة.ونحصل على ترجمة معماة كلما حاول المترجم تطبيق_كي يحافظ على وظيفة النص المصدر_ مصفاة ثقافية بشكل يتلاعب بالأصل بشكل غير محدد.وفي مناقشة الأنواع المختلفة من الترجمات والنسخ، لا أود أن أضمن، على أية حال، أن نصاً محدداً قد لا يمكن ترجمته إلا بطريقة محددة. على سبيل المثال، إن التصور في أن نصاً محدداً يتطلب بالضرورة إما ترجمة صريحة أو معماة لا يمكنه بوضوح أن يثبت بأية طريقة بسيطة: يمكن لأي نص، لأغراض محددة، أن يتطلب ترجمة صريحة، أعني:قد ينظر إليه على أنه نص "بقيمة مستقلة"بذاته؛ على سبيل المثال، عندما يصبح مؤلفه، مع مرور الوقت، شخصية مميزة، والحالة هذه يكتسب النص الأصل مكانة وثيقة مقدسة.وعلاوة على ذلك، وفي الوقت الذي أسهمت فيه الذرائعية التقابلية بشكل هام في تقويم الترجمات الصريحة بطريقة منتظمة، يبقى تقويم مناسبة تطبيقات المصفاة الثقافية تحدياً. وإذا ما أخذنا الطبيعة الدينامية للمعايير الاجتماعية_الثقافية والتواصلية بعين الاعتبار، والطريقة التي يتأخر بها البحث بالضرورة؛ ينبغي على نقاد الترجمة أن يصارعوا كي يلحقوا بالتطورات الجديدة إن كانوا يرغبون في أن يكون بمقدورهم الحكم بشكل مقبول على مناسبة التغيرات بتطبيق المصفاة الثقافية في الترجمة بين لغتين. وإحدى التطورات الجديدة الهامة التي قد تؤثر بالعديد من السياقات الاجتماعية اليوم هي تصاعد أهمية اللغة الإنجليزية. 3 الإنجليزية كلغة عالمية في (عدم) التصفية الثقافية [size=12]English as a Global Lingua Franca in Cultural (Non) Filtering ['Traditional Arabic']ومع صبغ العولمة و الأممية للكثير من حياتنا اليوم، هناك صعود ملازم في الطلب على نصوص ذات دلالة في الوقت ذاته