ميدان علم المصطلح
يُعرَّف علم المصطلح عادة بأنّه " العِلم الذي يبحث في العلاقة بين المفاهيم العلميّة والمصطلحات اللغويّة التي تعبِّر عنها"(2)، كما أسلفنا. ومن هذا التعريف يتّضح لنا أنّ لعلم المصطلح ميدانَين رئيسَين: أوّلهما، المفاهيم العلميّة، وثانيهما، المصطلحات اللغويّة. ولكي يتمّ ضبط المصطلحات اللغويّة لا بُدَّ من تحديد منظومة المفاهيم العلميّة التي تمثِّلها تلك المصطلحات.
وللاضطلاع بتلك المهمّة، يقوم المصطلحيّ، أولاً، بتقطيع الواقع، أي بتقسم الأشياء والظواهر في الوجود، وتصنيفها؛ وهو تقسيم يتباين من حضارة لأخرى. ولهذه الأشياء والظواهر، سواء أكانت محسوسة أم مُجرَّدة، تمثيلات ذهنيّة يُطلَق عليها اسم "المفاهيم". وعند معرفة كلّ مفهوم (أي معرفة الخصائص الجوهريّة له) وتعيين الميدان الذي ينتمي إليه، يمكننا ضبط موقعه في المنظومة المفهوميّة، وتحديد العلاقات التي تربطه مع المفاهيم المجاورة له التي تشترك معه في بعض الخصائص الجوهريّة. ويتطلّب تحديدُ هذه الخصائص معرفةً بالعِلم الذي تنتمي إليه تلك المفاهيم وإدراك العلاقات المنطقيّة والوجوديّة القائمة بينها.
ودراسة المفاهيم بهذا الشكل تنتمي إلى علمَي الوجود والمنطق، والعلوم المتخصُّصة، وتشكّل الأساس في وضع المصطلحات.
ويتمثّل الميدان الثاني، من ميادين علم المصطلح، في دراسة المصطلحات اللغويّة والعلاقات القائمة بينها، ووسائل وضعها وتوليدها، وكيفية دمجها في بنية العِلم الذي تنتمي إليه. وهدا النوع من الدراسة في صلب علم المعجم وعلم تطور دلالات الألفاظ، وهما من مجالات اللسانيات (أو علم اللغة). وأخيراً، فإنّ صناعة المصطلح تهتمّ بتوثيق المصطلحات وتيسير استعمالها، سواء أكان هذا التوثيق آليّاً بالحاسوب أم كتابيّاً بنشر المعاجم المتخصِّصة الورقيّة.
وهكذا يمكن القول إنّ المصطلحيّة علم مشترك بين علوم المنطق، والوجود، والتصنيف، واللغة، والإعلاميات، والعلوم المعرفيّة، والموضوعات المتخصّصة.
ويضطلع المصطلحيّ ـ إضافة إلى قيامه بوضع المصطلحات الجديدة ـ بتوحيد المصطلحات، أي بتفادي ازدواجيّة المصطلح في اللغة الواحدة، وذلك عن طريق القيام بدراسة مقارنة للمنظومة المفهوميّة والحقل المصطلحيّ، لكي يقتصر التعبير عن المفهوم الواحد بمصطلح واحد، والتعبير بمصطلح واحد عن المفهوم الواحد، في الحقل العلميّ الواحد. ويتمّ ذلك بالتخلُّص من الترادف والاشتراك اللفظيّ معاً (3).
وفي جميع الحالات، فإنّ المصطلحي يستعين بوسائل لغوية محدَّدة لوضع المصطلحات الجديدة أو توحيد المصطلحات القائمة . وهذه الوسائل اللغوية تشترك فيها جميع اللغات على الرغم من تفاوتها في ترتيب هذه الوسائل من حيث أهميتها أو شيوعها فيها. وفي اللغة العربية ترد وسائل توليد المصطلحات على الترتيب الآتي: الاشتقاق، والمجاز، والتراث، والتعريب، والنحت، والتركيب (4).
ـ هل الترجمة فنّ أم عِلم؟
منذ أن بدأ الاحتكاك بين الجماعات البشرية المنظَّمة، والترجمة ـ شفهيّة كانت أم تحريريّة ـ تقوم بدورها بوصفها أداة للتواصل الإنسانيّ. ولعلّ أقدم أجهزة الترجمة المؤطَّرة بمترجمين متخصصين مزوَّدين بمعاجم ثنائيّة اللغة، وُجِدت في الإمبراطورية البابليّة في العراق قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام(5). ومنذ ذلك الحين والترجمة تُعَدّ فنّاً يعتمد على حذق المترجم وتمكّنه من اللغتين الناقلة والمنقول منها، واطّلاعه على ثقافتيهما، ومعرفته بموضوع النصّ المُترجَم.
وفي حوالي منتصف القرن العشرين الميلاديّ، أخذت المحاولات تتوالى لإخضاع الترجمة لمنهجيّة علميّة ووضع نظريات خاصّة بالترجمة. وقد شجَّع على ذلك ثلاثة تطوّرات:
أوّلها، التطوّر الذي أصاب علم اللغة بشكل عامّ، ونظريّات الدلالة بشكل خاصّ،
وثانيها، ظهور نظريّة الاتصال على أيدي باحثَين أبرزهم تشارلس مورس (6) وجورج ميلر (7)،
وثالثها، الاستعانة بالحاسوب في إجراء الترجمات الآليّة وما يتطلب ذلك من منهجيّة وتنسيق وضبط.
وعلى الرغم من ظهور عدد من نظريّات الترجمة في الشرق والغرب، فإنّه ما زال كثيرون يجادلون في أنّ الترجمة المنهجيّة أمر مستحيل ولهم في ذلك حججهم، يقابلهم آخرون ممن يعتقدون بإمكان إنتاج هذا النوع من الترجمة وعدم استحالتها. فالفريق الأول يؤكّد الفروق البنيويّة بين اللغات وعدم وجود مطابقة بينها في النواحي الصوتيّة والصرفيّة والنحويّة والدلاليّة والأسلوبيّة؛ ولهذا يستحيل نقل النصوص من لغة إلى أخرى بصورة علميّة مضبوطة، في حين يذهب الفريق الثاني إلى أنّ البشر جنس واحد، وخبراتهم متشابهة، ويمكن التعبير عنها باللغات المختلفة التي هي واحدة في بنيتها العميقة(
.
نظريات الترجمة بين علم اللغة وعلم الاتّصال:
إنّ الأغلبيّة الساحقة من الذين نظّروا للترجمة هم من اللسانيّين، فعدّوها فرعاً من فروع علم اللغة التطبيقيّ. ولمّا كان لعلم اللغة نظريّات متعدّدة في تحليل ظاهرة اللغة ووصفها، فقد تعدّدت، تبعاً لذلك، نظريات الترجمة (9). ولكنَّ هذه النظريّات، على تنوّعها واختلافها، استندت إلى مبحثين هامّين: الأوّل، نظرية الاتصال؛ والثاني مبحث علم الدلالة.
تتّفق نظريات الترجمة على أنّ الاتصال اللغويّ ـ بما فيه الترجمة ـ لا تقتصر عناصره المؤثِّرة على المُرسِل والمتلقّي والرسالة فحسب، وإنّما تشتمل كذلك على السياق، والوسط الذي تنتقل فيه الرسالة، والضوضاء أو المؤثِّرات الخارجيّة التي تحول دون وصول الرسالة إلى المتلقّي أو وصولها إليه بصورة مشوَّهة أو مختلفة. وهكذا بحثت نظريات الترجمة في السياق الثقافيّ والاجتماعيّ الذي تُصاغ فيه الرسالة، ومدى تأثُّر الترجمة من جراء توافق أو تباين اللغتين الناقلة والمنقول منها، من حيث بنياتهما الصرفيّة والنحويّة والدلاليّة والأسلوبيّة، وما ينجم عن ذلك من ضرورة إحاطة المُترجِم بالوسط الثقافيّ والاجتماعيّ للغتَين ليتمكّن من سدّ الثغرات الموجودة في اللغة الناقلة عند الضرورة. فالمترجِم، في عملية التواصل هذه، يؤدّي دورَين مختلفَين: مُستقبِل (أو متلقٍ) للمعنى (الرسالة) من اللغة المترجَم منها، ومُرسِل لهذا المعنى (الرسالة) في اللغة المترجَم إليها.
وعملية تلقّي الرسالة (المعنى) التي يقوم بها المترجِم، تمرّ بمستويات ثلاثة:
ـ المستوى الأوّل، هو الإدراك، وهذا الإدراك يكون إمّا بصريّاً في حالة المترجِم التحريري الذي يقرأ النصَّ المكوَّن من حروف أو رموز مكتوبة، أو سمعيّاً في حالة المترجم الفوريّ (الترجمان) الذي يسمع الكلام المكوَّن من أصوات أو رموز مسموعة، من خلال مرجعيّة المترجم الثقافيّة والمعرفيّة.
ـ المستوى الثاني، هو التفكيك، الذي يقوم فيه المترجِم باستخدام آليات لسانيّة، شكليّة ودلاليّة، لتحويل النصّ المكتوب أو المسموع إلى مفاهيمَ أو معانٍ، جزءً جزءً.
ـ المستوى الثالث، هو الفهم، الذي يتطلّب تجميع عناصر النصّ بعد تفكيكه وإعادة بنائه لفهم مضمونه.
وفي مبحث الدلالة، تطرّقتْ نظرياتُ الترجمة إلى طبيعة المعنى بتحليل العلاقة بين الكلمة والشيء والمفهوم أو بين الدال والمدلول والدليل طبقاً لمثلَّث أوغدن وريتشاردز (12). وأكّدت أنّ العلاقة بين الشيء واسمه علاقة اعتباطيّة غير ثابتة. وحتّى لو تمكّنا من تحديد معاني الكلمات وحصرها في معجم، فإنّ دلك لا يخدم المترجِم كثيراً، لأنّ الترجمة تُعنَى من حيث الأساس بنقل معنى النصّ ـ وليس معاني الكلمات المفردة ـ من لغة أخرى. والنَّصّ لا يتشكّل من قائمة مفردات فحسب، وإنّما من بنيات نحويّة ودلاليّة وأسلوبيّة تنتظم فيها تلك المفردات. ولهذا، فإنّ معنى النصّ لا يساوي، بطريقة حسابيّة، مجموعَ معاني المفردات المكوِّنة له. وعلاوة على ذلك، فإنّ للكلمة الواحدة عدة معانٍ طبقاً للسياق الذي ترِد فيه. وقلّما نجد كلمة تقتصر على معنىً واحد على مرّ العصور نتيجةً للتطوّر اللغوي المتمثِّل في لظواهر لغوية عديدة مثل " التغيُّر الدلالي" و " التوسُّع الدلالي " و " الاستعمال المجازي " وغيرها. إضافة إلى ذلك، فإنّ لكلِّ كلمة إيحاءات وظلالاً هامشيّة ترتبط بثقافة المُرسِل والمتلقّي وخبراتهما العاطفيّة والاجتماعيّة.
ومن ناحية أُخرى، فإنّ الثقافات المختلفة لا تتفق في تقطيع الواقع أو وصف الكون. ولمّا كانت اللغة هي التي تنقل كلّ مظاهر الحضارة، الفكريّة منها والمادية والإنسانية والحيوانية، كما يقول عبد الكريم غلاب(13)، فإنّ اللغات لا تتفق في دلالات مفرداتها وتراكيبها أو عدد تلك المفردات والتراكيب. ومن هنا فقد لا تجد لكلمة ما أو تركيب ما في إحدى اللغات مقابلاً كاملاً أو جزئياً في لغة ثانية (14). ويزداد الطين بلَّة إذا كان الأمر يتعلّق بترجمة نصّ شعريّ، إذ لا يقتصر الأمر آنذاك على نقل الدلالات الحقيقيّة والهامشيّة والإيحائيّة للكلمات فحسب، أو على مضاهاة الأبنية الصرفيّة والنحويّة والأسلوبيّة فقط، بل يتعلَّق الأمر كذلك بصعوبة مجاراة المكوِّنات الصوتيّة كالنبر والإيقاع والنغم للمحافظة على الوزن الأصليّ؛ ناهيك بالقافية وتأثيراتها الصوتيّة والنفسيّة (15).
ولهذه الأسباب وغيرها، قد يضطر المترجِم إلى سدّ بعض الثغرات اللغويّة أو الأسلوبيّة أو الثقافيّة، لإبلاغ فحوى النصّ المترجَم إلى المتلقي على أفضل وجه. وأدّت الطرائق المختلفة التي ينتهجها المترجمون إلى ظهور أنواع ومستويات متعدِّدة من الترجمة. ولهذا فإنّ جميع نظريات الترجمة المعاصرة تتطرّق إلى تصنيف نوعيّ للترجمات، مثل الترجمة المباشرة، والترجمة الكلّيّة، والترجمة الجزئيّة، والترجمة الشاملة، والترجمة المحدودة، والترجمة الحرفيّة، والترجمة المعنويّة، والترجمة والنقل ( يفرق بعضهم بين المصطلحَين من حيث إنّ الأوّل يتناول الترجمة من اللغة أ إلى اللغة ب ، في حين يعني الثاني الترجمة من اللغة أ إلى اللغة ج عبر اللغة ب ) (16).
المعنى بين المصطلحيّ والمترجِم:
من الواضح أنّ كلاً من المترجِم الذي ينقل نصّاً من اللغة أ إلى اللغة ب، والمصطلحيّ الذي ينقل مصطلحات من اللغة أ إلى اللغة ب، يُعنَى بنقل معنى تلك المادّة. فكلاهما يسعى إلى الهدف ذاته، أي فهم المعنى المقصود ونقله بدقّة وأمانة. وهذا يتطلب منهما تمكُّناً من اللغتَين، ودراية معمَّقة ببنياتهما الصرفيّة، وتراكيبهما النحويّة، وأساليبهما، وثقافتيهما. ولهذا يبدو، لأوّل وهلة، أنّ المصطلحيّ والمترجِم يؤدّيان الوظيفة ذاتها، ولا بدّ أنهما يحتاجان إلى ذات الإعداد ونفس التكوين. ولكنّنا إذا أنعمنا النظر في الأمر ألفينا فروقاً لا يكن إغفالها.
فالمصطلحيّ لا يُعنَى بنقل المصطلحات من لغة إلى أخرى فقط، وإنّما له وظيفتان أخريان ـ كما أسلفنا ـ :
الأولى، توليد المصطلحات باللغة ذاتها دون الانطلاق من لغة ثانية وإنّما انطلاقاً من المفهوم المطلوب التعبير عنه بمصطلح لغويّ،
الثانية، توحيد المصطلحات القائمة في اللغة، بحيث يُعبِّر المصطلح الواحد عن مفهوم واحد ويُعبَّر عن المفهوم الواحد بمصطلح واحد، في الحقل العلميّ الواحد.
وفي كلتا هاتين الوظيفتَين، لا يتعامل المصطلحيّ مع لغتَين وإنّما مع لغة واحدة.
ومن ناحية أخرى، فإنّ المترجِم يتعامل دائماً تقريباً مع نصٍّ كامل يرغب في نقله من لغة إلى أخرى، في حين أنّ المصطلحيّ لا يتعامل، في العادة، إلا مع مصطلح واحد، بسيطاً كان أو مركباً، ولا يعالج نصّاً كاملاً إلا إذا كان يقوم بدراسة طبيعة لغة علم من العلوم من حيث بنياتها وأساليبها، أو بدراسة السياقات التي يرد فيها المصطلح.
ومن ناحية ثالثة، فإنّه على الرغم من أنّ كلاً من المصطلحيّ والمترجِم يُعنَى بالمعنى ويسعى إلى استيعابه ونقله، فإنَّ كلَّ واحدٍ منهما يبحث عن معنىً مختلف. فالمصطلحيّ يبحث عن معنى " الشيء" أو " المفهوم" الذي يمثّله اللفظ المراد ترجمته، في حين يبحث المترجِم عن معنى " التسمية " التي يُسمَّى بها ذلك الشيء أو المفهوم. وهكذا فإنّ المصطلحيّ مضطر إلى التعرُّف على ماهية " الشيء" وتحديد عناصره الرئيسة، والوقوف على جنسه وفصله، ليتمكّن من إلحاقة بمنظومة المفاهيم التي ينتمي إليها. أمّا المترجِم فلا تعنيه تلك الأبحاث المنطقيّة والوجوديّة بقدر ما يعنيه معرفة معنى الكلمة في السياق الذي استعملت فيه، ومن ثمّ معرفة المعنى الكلِّيّ للعبارة والفقرة اللتين يقوم بترجمتهما (17).
متى يُصبِح المصطلحيّ مترجِماً؟
في الوضع المثاليّ، يضطلع العلماء والمخترعون والفنّانون بوضع المصطلحات المناسبة لاكتشافاتهم ومخترعاتهم ومبتكراتهم، محسوسة كانت أو مجردة، لأنّهم يدركون ماهيتها وسماتها المميزة، وقد يتمّ وضع المصطلحات تلك إمّا بإحاطة أولئك العلماء بأصول علم المصطلح، أو باستعانتهم بمصطلحيِّين متخصِّصين، أو بصورة اعتباطيّة يتحكّم فيها حسُّهم اللغويُّ، وثقافتهم العامّة، وذوقهم الفنّيّ.
ويحصل هذا الوضع المثالي في الأمم المنتجة علميا وثقافيا وفنياً. أما في البلاد المستهلِكة والمتلقية للمخترعات الحضارية والتقنية، فإن الحالة مختلفة تماماً من الناحية العملية. فالعلماء والمصطلحيّون يصلهم المصطلح الجديد، في غالب الأحيان، مع تعريف به أو شروح تتعلق به. ولكي يتوصّلوا إلى تكوين مفهوم واضح يمثّله هذا المصطلح، عليهم أن يفهموا تلك التعريفات والشروح. وبذلك يقومون بترجمته، شعروا بذلك أم لم يشعروا، من تلك اللغة الأجنبيّة إلى لغتهم الأمّ. وهم لذلك بحاجة إلى الإحاطة بتقنيّات الترجمة الأساسيّة، ابتداءً من التحليل البنيويّ للنصّ الأجنبيّ وانتهاءً بالصياغة السليمة للنصّ الوطنيّ، ومروراً بكيفيّة التعامل مع السوابق واللواحق واللواصق وغيرها من قضايا علم المعجم.
متى يُصبِح المترجِم مصطلحيّاً؟
من الناحية النظريّة، ليس من مهمّات المترجِم أن يولّد المصطلحات بل يستخدمها في المادة التي يترجمها ويحرص على استخدام المصطلحات المعياريّة الموحَّدة. ويستقي المترجِم تلك المصطلحات من المعاجم المتخصِّصة إن لم يكن ملمّاً بها. ولهذا، فإنّ الشروط الواجب توفُّرها في المترجِم الجيّد لا تشتمل، عادةً، على الدراية بعِلم المصطلح، وإنّما تقتصر على شروط أربعة هي:
1ـ أن يُتقن لغتي الأصل والنقل،
2ـ أن يكون ذا ثقافة موسوعيّة،
3ـ أن يلمّ بالموضوع المُراد ترجمته
4ـ أن تكون لديه الخبرة والمهارات اللازمة للترجمة(18).
غير أن المترجِم والترجمان ( الأول يقوم بالترجمة التحريريّة والثاني بالترجمة الفورية) يواجهان في أحايين كثيرة مواقف تتطلّب منهما القيام بدور المصطلحيّ الذي يولّد أو يضع المصطلحات الجديدة.
ففي حالة المترجِم، قد لا يعثر في المعاجم العامّة والمتخصِّصة الثنائيّة اللغة المتوفِّرة لديه على مصطلح ما، ويجد نفسه مضطراً لصياغة مصطلح مقابل في اللغة التي ينقل إليها، يساعده في ذلك إدراكه لمفهوم ذلك المصطلح من سياق النصّ الأصليّ، أو اطّلاعه على المفهوم من جراء دراسة تعريفات المصطلح في المعجمات المتخصِّصة الأحاديّة اللغة (19).
وفي حالة الترجمان، تكون الحالة أكثر تعقيداً وصعوبة، فهو لا يجد الوقت، مطلقاً، للرجوع إلى المعاجم لمعرفة المقابل الدقيق للمصطلح الذي يواجهه، وإنّما عليه أن يعتمد على سرعة بديهيته وتمكّنه من اللغتين لإيجاد مقابل يساعد المستمعين على فهم الخطاب المترجَم.
ولهذا كلِّه، فإنّنا نرى أن يشتمل الشرط الرابع من شروط المترجِم الجيد دراسة أو خبرة في علم المصطلح وكيفية وضع المصطلحات وتوحيدها.
تدريس علم المصطلح ونظريّة الترجمة في المعاهد المتخصِّصة:
أصبح علم المصطلح يُدرَّس في الجامعات بوصفه عِلماً مستقلاً، ويُمنح دارسوه الشهادات الجامعيّة على اختلاف درجاتها، كما أُنشئت معاهد متخصِّصة لتدريب المترجِمين وتأهيلهم. ومن ناحية أُخرى، فإنّ علم المصطلح والترجمة يُدرسان بوصفهما مادتَين مساعدتَين في كثير من الأقسام والشُّعب الجامعيّة. ونرمي هنا إلى تأكيد نقطتَين:
الأولى، إنّ المصطلحيِّين بحاجة إلى دراسة نظريّات الترجمة وتقنياتها التطبيقيّة،
الثانية، إنّه ينبغي على معاهد الترجمة تضمين دروس كافية في المصطلحيّة والمعجميّة في مناهجها، لا ليعرف المترجِم قواعد توليد المصطلحات وتوحيدها فحسب، وإنّما لكي يعرف كذلك خصائص المعاجم العامّة والمتخصِّصة، ويستطيع اختيار المعاجم الملائمة لعمله في ضوء خصائص كلِّ معجم وبنيته.
الخلاصة:
وخلاصة القول إنّ علم المصطلح ونظريّة الترجمة عِلمان مستقلان، ولهما ميدانان مختلفان، مع وجود بعض التداخل بينهما. وعلى الرغم من أنّ إعداد المصطلحيّ وتدريبه يختلفان عن تأهيل المترجم وتكوينه، فإنّ المصطلحي يحتاج إلى الإلمام بنظريّة الترجمة وأصولها، كما أنّ المترجم بحاجة إلى معرفة قواعد علم المصطلح وطرائقه.منقول من مقالة الدكتور/ علي القاسمي