في ندوة «العربي» التي تابعت بعض محاضراتها على القناة الثالثة لتلفزيون الكويت، تجددت مناقشة الترجمة العربية الى اللغات الأجنبية، وهي بلا شك قضية مهمة للبحث في مستوى التواصل مع الآخر وبحث ما تحقق من انجازات في ذلك الموضوع الشائك، سأناقش هنا الترجمة إلى اللغة الانكليزية لعدة أسباب، أهمها أن اللغة الانكليزية اليوم هي اللغة العالمية الأولى بلا منازع، وهي الأكثر انتشارا في المستعمرات البريطانية القديمة واستبدال معظم المستعمرات الفرنسية اللغة الفرنسية باللغة الانكليزية لمواكبة التطور العلمي والتكنولوجي، والاحصاءات الفرنسية تشير الى تراجع كبير بما ينشر فرنسيا مقابل ازدياد شديد لما يصدر بالانكليزية، ولكون اللغة الانكليزية اللغة الثانية لدى أغلب الشعوب، فقد شجع ذلك على ترجمة الأعمال التي تكتب بلغة تلك البلدان الى الانكليزية، والعرب أحد هذه الشعوب، على الأقل مشرقيا، التي تبنت اللغة الانكليزية لغة ثانية، وربما أولى في بعض المجالات العلمية، ففي جامعات الكويت الرسمية منها والأهلية، تعد الانكليزية لغة الكتاب العلمي في الكليات العلمية كالهندسة والطب والعلوم.
لكن ذلك الاحتفاء باللغة الانكليزية لم يقابله حركة ترجمة من العربية الى الانكليزية، كما هي الحال بالترجمة العكسية. والأسباب التي خلقت هذا التباين قد تكون موضوعية، أهمها اقبال القارئ على هذه الترجمات وتوافر الكتاب بسعر مناسب في ظل وجود مراكز توزيع للكتاب. الكتاب المترجم الى العربية لا تزيد تكلفته في أغلب الأحيان عن ستة دولارات وربما اقل من ذلك، لأن الترجمة تتم بدعم مؤسساتي من المجالس الوطنية كالمجلس القومي للترجمة في مصر والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت، وغيرهما، وتلك مؤسسات غير ربحية توفر الكتاب بسعر أقل بكثير من سعر التكلفة.
الحال في الترجمة من العربية الى الانكليزية تختلف كليا، أولا لأن الكتاب في الغرب سلعة تخضع لما تخضع له أغلب السلع في السوق الرأسمالي، ولا يستطيع كاتب غربي أن يقوم بجهد توزيعي بعيدا عن شركات انتاج الكتاب الورقي بما يصاحب ذلك من تسويق ودعاية، ولكي يصل الكتاب العربي المترجم الى القارئ الاجنبي، لابد من وضع استراتيجية مخلصة وبناءة لنشر الكتاب العربي الى القارئ الآخر.
أهم نقاط تلك الاستراتيجية الوصول الى السوق الأجنبي عبر المنافذ ذاتها التي يسلكها الكتاب الأجنبي، والعمل مع المؤسسات الانتاجية الضخمة التي تجيد فن التسويق والاعلان، والأهم من ذلك أن نقدم للقارئ الأجنبي نماذج مهمة من الانتاج الأدبي العربي، وهنا تقع الاشكالية التي لا تستطيع هذه المؤسسات الحكومية الخروج منها.
هذه الاشكالية تكمن في علاقة الكاتب الجاد بالمؤسسة. فأغلب كتابنا المميزين على خصومة بائنة مع المؤسسة الثقافية الرسمية، وعلى خلاف مع القائمين عليها وأهدافهم في تكريس أسماء بعينها واقصاء أسماء أخرى لا تروق لهم فكريا، اما الكتاب الذين لا يختلفون مع المؤسسة فهم بالأساس خارج أوطانهم، وهم سيبقون تحت رحمة اعتراف المؤسسة الغربية والمستشرق الغربي الذي لا يبحث عن مال المؤسسة أو مال الكاتب العربي لترجمته.
القارئ الأجنبي في العقدين الأخيرين كان متلهفا لقراءة المشرق والعربي تحديدا بعد أحداث سبتمبر، ومر عقدان الآن دون أن نحقق له شيئا، وربما بالعكس كتب مجموعة من المستغربين كتبا لاقت رواجا في الغرب وقدمت المشرق بذات الصورة المبتذلة الجاهلة التي تكرست كصورة نمطية في ذهن المتلقي الغربي.
خلاصة القول، اذا لم نفهم لعبة سوق الكتاب في الغرب وهي مهمة ليست صعبة أو مستحيلة، فإن ترجماتنا التي تأتي خجولة ومتواضعة ستبقى كما هي مخصصة للدارسين المهتمين بالأدب العربي، بحكم تخصصهم ولا اكثر من ذلك.
ناصر الظفيري
http://www.aljareeda.com/AlJarida/Article.aspx?id=102381